
وبلاگ سپهران | المهرجانات | الاحتفالات الشعبية في إيران | الأعياد التاريخية والمهرجانات التراثية الإيرانية
تعود الاحتفالات الشعبية في إيران إلى عراقة الحضارة الإيرانية نفسها. فإيران أرض الشعوب القديمة، والحضارة والثقافة والعادات والتقاليد. إنها أرض استطاعت، بفضل ثقافتها وحضارتها، أن تتجاوز العديد من المنعطفات التاريخية وتترك تأثيراً إيجابياً على الفضاء الحضاري والثقافي المحيط بها.
تُعتبر الطقوس والاحتفالات من أبرز مظاهر الثقافة في كل حضارة، فهي التي تُجسّد أخلاق الشعوب وتعكس طريقة عيشهم. ومن بين هذه الطقوس تأتي الأعياد والمناسبات، سواء كانت مرتبطة بالفرح أو الحزن، كمرآة صافية لطبيعة الناس وعمق حضارتهم. لذلك فإن التعرف على هذه الأعياد والطقوس يفتح نافذة مهمة لفهم الثقافة والهوية الحضارية لأي مجتمع.
تحتل إيران مكانة متميزة على مستوى تنوع الطقوس والعادات، حتى قلّما نجد حضارة أخرى تستطيع أن تضاهيها في هذا المجال. ومن أجل التعرف أكثر على هذه المناسبات، ندعوك لمرافقتنا في هذا المقال للتعرف على أهم الاحتفالات الشعبية في إيران.
تُعتبر الأعياد من أهم الاحتفالات الدينية والثقافية في الحضارة الإيرانية، وقد ارتبطت منذ القدم بالممارسات الدينية والروحية. لذلك كانت إقامة هذه الاحتفالات دائماً ذات مكانة خاصة في المجتمع الإيراني.
ورغم أن ما وصل إلينا من تفاصيل حول كيفية إقامة هذه الأعياد محدود، إلا أن ما بقي منها يكشف لنا الكثير عن أصالة الثقافة الإيرانية. آلاف الطقوس والمناسبات كانت تقام على مدار السنة، قسم كبير منها اندثر بمرور الزمن، لكن ما بقي يكفي لرسم صورة واضحة عن حضارة عريقة في التاريخ.
كلمة “نوروز” بالفارسية تعني “اليوم الجديد”، وهو أهم عيد سنوي في إيران. يحمل هذا العيد رسالة التجدد وبداية حياة جديدة للطبيعة والإنسان. يُحتفل به في بلدان أخرى في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا والبلقان وحتى شرق إفريقيا. ويُعتقد أن عمره لا يقل عن ثلاثة آلاف عام.
يبدأ النوروز في اليوم الأول من شهر فروردين (21 مارس تقريباً)، وهو يوم الاعتدال الربيعي حين يتساوى طول الليل والنهار. الاستعداد له يبدأ قبل أسابيع: تنظيف البيوت، إصلاح ما هو مكسور، استبدال القديم بالجديد، وتزيين البيوت بالزهور.
من أبرز طقوسه “سفره هفت سين” التي تتكون من سبعة عناصر تبدأ بحرف السين الإيراني، وترمز إلى الحياة، الحب، الصحة والرخاء.
يُقام مهرجان النار أو “جهارشنبه سوري” في آخر أربعاء من السنة الشمسية الإيرانية، كتمهيد للنوروز وبشارة بقدوم الربيع. جذور هذا العيد تعود إلى أكثر من 1700 سنة قبل الميلاد.في هذا اليوم، يشعل الإيرانيون النيران عند الغروب ويجتمعون حولها. تتنوع الطقوس من مدينة إلى أخرى، لكن من أشهرها شراء خليط من المكسرات الحلوة والمالحة (المكسرات المشكل)، الذي يُعتقد أن تناوله يحقق الأمنيات.
هذا العيد له جذور عميقة في الديانة الزرادشتية. يُحتفل به تكريماً لأرواح الأموات، ويُعرف أيضاً باسم (Hamaspathmaêdayah). يمتد لعشرة أيام: الخمسة الأخيرة من شهر اسفند والخمسة الأولى من فروردين.
كان الإيرانيون القدماء يعتقدون أن أرواح الأجداد تعود في هذه الفترة لتلتقي بأهلها. لذلك كانوا يضعون الطعام والبخور على القبور أو فوق أسطح المنازل لاستقبالهم. ما زال هذا الطقس شائعاً لدى الزرادشتيين في يزد وكرمان، حيث تُقدَّم الأطعمة والفواكه والحلويات تكريماً للأجدادهم.
يُقام عيد سيزده بدر في اليوم الثالث عشر من شهر فروردين (2 أبريل تقريباً)، ويُعد من التقاليد البارزة المرتبطة بعيد النوروز. ارتبط هذا العيد قديماً بالإلهة المسؤولة عن المطر، حيث كان الإيرانيون القدامى يدعون في هذا اليوم لنزول الأمطار الغزيرة وفي الوقت المناسب.
اليوم، يُعتبر سيزده بدر مناسبة يخرج فيها الناس إلى الطبيعة لقضاء آخر يوم من عطلة النوروز في الهواء الطلق. وتعود أصوله إلى اعتقاد قديم بأن الملك جمشيد – مؤسس عيد النوروز – اعتاد أن يمضي هذا اليوم مع الناس في الطبيعة الخضراء، الأمر الذي جعله تقليداً متوارثاً عبر القرون.
بعد اثني عشر يوماً من الاحتفالات، والتي ترمز إلى الأشهر الاثني عشر المقبلة من السنة، يتوجه الإيرانيون إلى السهول والجبال ليقضوا يومهم الأخير من العطلة بالمرح والبهجة في الطبيعة.
يُعد تيرغان واحداً من أكبر الأعياد الإيرانية. ويُحتفل به تقليدياً في اليوم الثالث عشر من شهر تير وفقاً للتقويم الزرادشتي، والذي يوافق عادةً اليوم العاشر من تير في التقويم الشمسي.
يرتبط هذا العيد بتكريم النجم “تيشتر” الذي يُعتبر في الميثولوجيا الإيرانية رمز المطر وبشير الخصب. ويُعتقد أن ظهور هذا النجم في السماء علامة على نزول المطر عن قريب. كما أن هذا اليوم يرتبط بالأسطورة الشهيرة للبطل الإيراني آرش الكماندار الذي أطلق سهمه لتحديد حدود إيران، وضحّى بنفسه في سبيل وطنه.
موعد إقامة هذا العيد يختلف من منطقة إلى أخرى:
يُعتبر مهرجان برفجال في مازندران تقليداً دينياً وثقافياً عريقاً. وتعود جذوره إلى القرن التاسع الهجري، حيث يُنسب إلى العارف السيد حسن ولي، الذي دلّ الأهالي على مكان مناسب لحفر حفرة كبيرة لتخزين الثلوج لاستخدامها كمصدر للمياه.
ومنذ ذلك الحين، ارتبطت هذه العادة بالبركة والمعجزة، وأصبحت تُقام سنوياً عبر ذبح الأضاحي وتقديم الخبز والجبن والعسل لأهالي القرية.
في صباح يوم المهرجان، يتوجه أهل القرية – من الأطفال حتى كبار السن – لتنظيف حفرة الثلج (التي يتراوح عمقها بين 7 و12 متراً) والممرات المؤدية إليها. وكانت هذه الحفر تُرصّف جدرانها بالحجارة لضمان حفظ الثلج لفترة طويلة. ويُعتبر هذا الطقس مزيجاً من العمل الجماعي، الوفاء بالنذور، والإيمان الديني.
وفق التقاليد الإيرانية القديمة، خُصص اليوم السابع عشر من كل شهر للإله سروش، حارس العبادة والطقوس. وفي هذا اليوم كان الإيرانيون يقيمون احتفالات سروشجان بقدسية خاصة، خصوصاً في شهر فروردين. سروش يُعتبر في الميثولوجيا الزرادشتية أول من أدّى الطقوس الدينية وأنشد “الغاثا” (الأناشيد الزرادشتية). وتُروى عنه مهمته في القضاء على قوى الشر مثل الغضب والكسل والكذب، ومحاسبة البشر مع الإلهين مهر ورشن، ليكافئ الصالحين ويعاقب المسيئين.
أبو الريحان البيروني أشار في كتبه إلى أن سروش هو أول من دعا الناس إلى عبادة الله. لذا فإن هذا اليوم كان مناسبة للصلاة والعودة إلى المعابد، حيث يُكرم الناس الإله سروش باعتباره رسولاً بين العالم الإلهي والبشر.
يعود أصل عيد بهمنغان إلى العهد الساساني، واستمر حتى فترة الغزو المغولي باعتباره مناسبة شائعة بين الناس. وقد ذكر أبو الريحان البيروني في كتابه الآثار الباقية معلومات عن هذا العيد قائلاً:
“في اليوم الثاني يُقام عيد تكريماً للإله بهمن، الموكّل بالحيوانات وحاجات البشر لعمران الأرض، ويُسمّى هذا اليوم بهمنجه.”
في هذا اليوم، كان أهل فارس يعدّون أطعمة خاصة مكونة من البقوليات واللحم ويأكلونها مع الحليب الخالص، معتقدين أن هذه الوجبة تقوّي الذاكرة. كما كان يُعتقد أن “جاماسب” وزير الملك “غشتاسب” كان يخرج في هذا اليوم لجمع الأعشاب واستخراج زيوتها، حيث اعتُبرت فوائدها مضاعفة في هذا الوقت.
ترتبط فلسفة هذا العيد بنبات يُسمى امشاسبند أو “بهمن”، الذي يزهر في فصل الشتاء، وله قيمة طبية عالية. عُرف هذا النبات أيضاً في أوروبا باسم Behen، وكانت جذوره الحمراء والبيضاء تُباع في الصيدليات القديمة.
في التقويم الزرادشتي، خُصص اليوم الثالث من كل شهر للإله أرديبهشت. وأحياناً كان يُحتفل بالعيد في اليوم الثاني من شهر أرديبهشت.
في هذا اليوم، كان الناس يخرجون إلى الطبيعة لجمع الزهور والأعشاب، ثم يبدأون احتفالاتهم في اليوم التالي. ارتبط هذا العيد بفضائل الحق والطهارة، لذا كان المشاركون يرتدون ثياباً بيضاء كرمز للنقاء وصفاء الروح.
يُقام عيد خردادغان في اليوم السادس من شهر خرداد، ويُعتبر من الأعياد القديمة التي تعظّم نعمة الماء.
كان الناس يتوجهون في هذا اليوم مع عائلاتهم إلى الأنهار والبحيرات ليقيموا الصلوات والابتهالات شكراً للإله “أهورامزدا” على نعمة المياه. ومن العادات التي ارتبطت بهذا العيد: غسل الجسد، حفر آبار جديدة، وصيانة قنوات الري.
كان يُعرف بـ عيد الخلود، ويُقام في اليوم السابع من شهر مرداد (127 يوماً بعد النوروز). عمر هذا الطقس يزيد عن أربعة آلاف سنة، وكان هدفه تكريم الإلهة امرداد، حارسة النباتات ورمز الخلود في الميثولوجيا الزرادشتية.
يُقام في اليوم الرابع من شهر شهريور، ويُعرف أيضاً باسم عيد آذر. كان يُعد من الأعياد الكبرى في إيران القديمة، وله ارتباط خاص بتكريم الآباء والأسلاف.
تذكر المصادر التاريخية أن هذا العيد ارتبط بذكرى ميلاد الملك داراب (داريوش) وكذلك النبي ماني. من طقوسه إشعال النار، تبادل الطعام مع الفقراء، وإقامة تجمعات عائلية كبيرة.
يُعتبر عيد مهرجان من أقدم الأعياد الإيرانية وأكثرها أهمية بعد النوروز. كان يُقام مع بداية فصل الخريف، حيث قُسّم العام في التقويم الأوستايي إلى “صيف كبير” و”شتاء كبير”، وكان مهرجان بداية فصل الشتاء.
كان يُحتفل به على مرحلتين:
يرتبط هذا اليوم برمزية الحرية ومقاومة الاستبداد، وقد خُلّد في قصص الشاهنامه لفيروزي.
اليوم الأول من شهر دي يُعرف باسم خرم روز أو عيد ديغان. كان هذا اليوم يحظى بمكانة كبيرة لدى الزرادشتيين باعتباره أحد أسماء الإله “أهورامزدا”.
كان يُنظر إليه كأول يوم في العام الجديد، رغم وقوعه في منتصف الشتاء. في هذا اليوم، كان الناس يجتمعون معاً لتحدي برودة الشتاء بالاحتفالات و التجمع حول النار، حيث امتزجت الطقوس الدينية بالتقاليد الاجتماعية، مما جعله واحداً من أهم الأعياد الإيرانية القديمة.
من الجدير بالذكر أنه في إيران القديمة كان لكل يوم من أيام الشهر اسم خاص يرتبط بإحدى القوى الإلهية في الديانة الزرادشتية. ومن بين هذه المناسبات، يأتي عيد بهمنگان الذي كان يُقام في اليوم الثاني من شهر بهمن، تكريماً لـ وهومن (بهمن)، أحد “الأمشاسپندان” ورمز الحكمة والعقل.
كان يُعتقد أن تلاقي اسم اليوم مع اسم الشهر سببٌ للاحتفال. لذلك، عندما اجتمع يوم بهمن مع شهر بهمن، تحوّل اليوم إلى مناسبة للفرح والبهجة. ومن الطقوس الخاصة بهذا العيد أن أتباع الزرادشتية كانوا يمتنعون عن أكل اللحوم احتراماً لهذا الرمز.
منذ أقدم العصور، كان الحب جزءاً أصيلاً من الثقافة الإيرانية، سواء في الشعر الفارسي العاطفي أو في المسار الروحي الصوفي. ولهذا السبب كان الإيرانيون يحتفلون بـ عيد سپندارمذگان (أو اسفندگان) يوم الخامس من شهر اسفند، باعتباره يوماً للحب قبل آلاف السنين من انتشار عيد الفالنتاين.
في هذا اليوم، كان الإيرانيون يحتفلون بالمحبة والوفاء، ويُعدّ من أجمل الموروثات الثقافية التي تعكس البُعد الإنساني للحضارة الإيرانية.
يُعتبر عيد سده من أقدم الأعياد الإيرانية، ويُقال إن عمره أكثر من أربعة آلاف عام. يُقام في اليوم العاشر من شهر بهمن، خاصة في المناطق التي يسكنها الزرادشتيون.
العنصر الرئيسي في هذا العيد هو النار، إذ يرمز إشعالها إلى الانتصار على الظلام ونيل الدفء والنور. ومن أبرز طقوسه:
يرتبط هذا العيد أيضاً بالملك الأسطوري فريدون الذي انتصر على الطاغية ضحاك. وتذكر بعض المصادر مثل نوروزنامه أن السده كان يُحتفل به قديماً من قِبل ملوك إيران وطوران. وقد اعتبر أبو الريحان البيروني أن الهدف من هذا العيد هو دفع الشرور والأذى.
من أشهر الأعياد الشعبية في إيران، حيث يُحتفل بـ ليلة يلدا باعتبارها أطول ليلة في السنة، رمزاً لانتصار النور على الظلام والخير على الشر.
في هذه الليلة تجتمع العائلات وتُقدَّم الفواكه الشتوية مثل الرمان والبطيخ مع المكسرات والحلويات. كما يُعدّ قراءة حافظ وقصص الشاهنامه من أبرز التقاليد، مما يعكس غنى الثقافة الفارسية.
يُقام عيد نوسره قبل خمسة أيام من عيد السده، ويُعتبر بمثابة التمهيد له. ما زال هذا الطقس يُقام في بعض المدن الإيرانية مثل شيراز ويزد وكرمان.
يرتكز هذا العيد على الشكر لله، مصدر النور والحياة. ومن طقوسه:
ولهذا يُصنف عيد نوسره ضمن أعياد النار في إيران القديمة، حيث يرمز إلى الاستعداد لاستقبال النور والتطهر من الظلام.