أقدم المقاهي في العالم | تاريخ المقاهي التاريخية في أوروبا وآسيا

عندما نتحدث عن أقدم المقاهي في العالم، فإننا في الواقع لا نتحدث فقط عن أماكن لتقديم القهوة، بل عن فضاءات يسكب فيها التاريخ والثقافة وحكايات قرون طويلة في كل فنجان.

تخيل نفسك ترتشف إسبرسو في فيينا أو البندقية أو روما؛ النكهة ذاتها التي ربما تذوقها شاعر من القرن التاسع عشر أو فيلسوف عظيم جلس على نفس الطاولة. هذه المقاهي أشبه بآلة زمن؛ تأخذك كل رشفة إلى عصورٍ كانت النقاشات حول الفن والسياسة والأدب تملأ أجواءها.

وهنا تبرز مقولة جان بول سارتر:
“القهوة أفضل رفيق للتفكير؛ فنجان صغير ينير عالماً كبيراً.”

هذه النظرة تكشف أن المقاهي لم تكن مجرد أماكن لشرب القهوة، بل ساحات للتفكير والحوار وصناعة التيارات الفكرية والاجتماعية. لذلك فإن العودة إلى تاريخ أقدم المقاهي في العالم ليست مجرد رحلة نوستالجية، بل وسيلة لفهم الجذور الثقافية لأماكن ما زالت جزءاً من حياتنا اليومية.

نشأة المقاهي في العالم

في بداياتها، لم تكن المقاهي مجرد أماكن لتناول القهوة، بل اعتُبرت ملتقى للحوار وتبادل الأفكار. ففي القرنين الخامس عشر والسادس عشر، انتشرت القهوة أولاً في الشرق الأوسط ثم أوروبا لتصبح مشروباً شعبياً.

انتقلت القهوة من اليمن إلى الدولة العثمانية، وسرعان ما وجدت مكاناً لها في مدن كإسطنبول. هناك، اتخذت المقاهي طابعاً ثقافياً أكثر من كونها مجرد محلات للمشروبات. ومع دخول القهوة إلى أوروبا، تغيرت ملامح المدن الكبرى، وأصبحت المقاهي ملتقى للفنانين والكتاب والمفكرين.

الجذور الشرقية للمقاهي

يعود أصل المقاهي إلى القرن الخامس عشر في القاهرة ومكة. كانت حينها بمثابة محطات للقاء التجار والمسافرين. وفي إسطنبول، انتشرت المقاهي سريعاً وحملت لقب “مدارس بلا كتب”، لأنها كانت مراكز لتبادل المعرفة والأخبار.

دخول المقاهي إلى أوروبا

في القرن السابع عشر، وصلت القهوة إلى أوروبا عبر مدينة البندقية. وسرعان ما ازدهرت المقاهي في لندن وباريس وفيينا. لم تقتصر وظيفتها على تقديم المشروب، بل أصبحت ملتقى للكتّاب والفلاسفة، بل وحتى مقراً لبدايات بعض الصحف الأوروبية.

أقدم المقاهي في العالم

من بين مئات المقاهي العتيقة، هناك بعض الأمثلة التي تحتل مكانة خاصة في التاريخ. هذه المقاهي لا تكتسب أهميتها من قدمها فحسب، بل أيضاً من حيث طرازها المعماري ودورها الثقافي المؤثر.

تهميس قهوه‌وسي؛ مكان يتنفس فيه عبق التاريخ مع كل فنجان قهوة 🍫☕ 🇹🇷

أقدم المقاهي في العالم
مقهى غازي عنتاب – تركيا 1635

 

قهوة تهميس، الواقعة في قلب مدينة غازي عنتاب التركية، تُعتبر واحدة من أقدم الأماكن التي ما زالت جدرانها تفوح منها رائحة القهوة التركية الأصيلة. أُنشئت هذه القهوة ما بين عامي 1635 و1638م بأمر من مصطفى آغا بن يوسف، أحد كبار رجال الدولة آنذاك. وكان الهدف من تأسيسها توفير دخل لخانقاه المولوية، ولهذا اكتسب المكان منذ البداية طابعاً روحانياً وثقافياً. حتى اسمها له معنى مميز؛ فكلمة “تهميس” في اللغة التركية تُطلق على المكان الذي تُطحن فيه حبوب القهوة.

قهوة تهميس مرت عبر التاريخ بالكثير من التقلبات. ففي أوائل القرن العشرين اندلعت فيها النيران مرتين (عامي 1901 و1903) ودمّرتها، لكنها عادت إلى الحياة بفضل حب وحرص أهالي المدينة. أما آخر عملية ترميم واسعة فقد جرت بين عامي 2009 و2011 للحفاظ على هذا التراث العريق.

وتذكر بعض الروايات أن السلطان مراد الرابع توقف فيها خلال حملته إلى بغداد، واستراح فيها مرتشفاً فنجان قهوة. كما أن العديد من تجار طريق الحرير والعلماء والرحالة الثقافيين اعتبروا “تهميس” ملجأً لشرب القهوة وإجراء الحوارات الطويلة. هنا كان يتم تبادل الأخبار والسياسة والثقافة على وقع فناجين القهوة؛ كما قال سارتر بعد قرون: “القهوة، أفضل رفيق للتفكير.”

ملامح العمارة والديكور

ما زال مقهى تهميس محافظاً على أصالته القديمة؛ أعمدته الحجرية وأسقفه الخشبية مع نوافذ ملوّنة تبعث نوراً شاعرياً في الداخل. الطاولات والكراسي الخشبية البسيطة، الديكور المزين بسماورات نحاسية وثريات تقليدية، والزجاج الملون الذي يفلتر الضوء، كلها تمنح الزائر إحساساً بالسفر عبر الزمن. في الشتاء يملأ دفء المواقد المكان، وفي الصيف تزيد المقاعد الخارجية والتراس متعة احتساء القهوة مع نسيم عليل.

تهميس ليس مجرد مقهى، بل قطعة من الذاكرة الثقافية لغازي عنتاب، وجزء من تاريخ القهوة في العالم. ففيه لم تُطحن حبوب القهوة فحسب، بل اختلطت فيه أيضاً الأفكار والقصص عبر الأجيال.

الهاتف الموقع ساعات العمل
903422328977+ tahmiskahvesi.com.tr من 8 صباحاً حتى 12 منتصف الليل

كافية كوين لين، أكسفورد؛ مكان امتزجت فيه القهوة مع الفكر 🍫☕ 🇬🇧

أقدم المقاهي في العالم
مقهى كوين لين – أكسفورد 1654

في قلب مدينة أكسفورد، تلك المدينة التي تتنفس تاريخاً وعلماً في كل شارع وزقاق، يوجد مقهى يحمل أكثر من ثلاثة قرون ونصف من الحكايات؛ إنه مقهى كوين لين. أُسس هذا المقهى عام 1654م. كان الهدف في بداياته توفير مكان لشرب القهوة في مدينة يعجّ طلابها وأساتذتها بالبحث والمعرفة. لكن، كما هو الحال مع معظم المقاهي العريقة، سرعان ما تجاوز دوره مجرد تقديم القهوة ليصبح ملتقى للنقاشات العلمية والفلسفية والاجتماعية.

يتميز المكان بمزيج من البساطة والأصالة؛ نوافذه الكبيرة تطل على الشارع فتمنح الجالسين رؤية مباشرة على حركة المارة والمدينة. أما الأثاث الخشبي والتصميم الداخلي الدافئ فيحافظان على طابع تاريخي أصيل. وحتى بعد مرور قرون، ما زال الزائر يشعر وكأنه دخل إلى جزء من التاريخ الممزوج برائحة القهوة.

كان طلاب جامعة أكسفورد يجتمعون هنا لمناقشة العلوم الحديثة والفلسفة وحتى شؤون السياسة. وتذكر الروايات أن فلاسفة مثل جيريمي بنتام، مؤسس الفلسفة النفعية لاحقاً، جلسوا في هذا المقهى وأسسوا بعضاً من أفكارهم. لقد كان كوين لين شاهداً على حوارات شكلت لاحقاً جزءاً من الحراك الفكري والسياسي في أوروبا.

وفي عام 2009 تغيّر اسمه إلى “QL”، لكنه بقي محافظاً على جوهره؛ ملاذاً دافئاً لشرب القهوة وتناول الإفطار الإنجليزي وخوض النقاشات. حتى اليوم يظل المقهى نقطة التقاء بين أصالة القرن السابع عشر وروح الحياة اليومية الحديثة؛ مكاناً تهمس جدرانه بأصداء نقاشات لا تنتهي بين طلاب وأساتذة وزائرين.

الهاتف الموقع ساعات العمل
441865240082+ qlcoffeehouse.com من 8 صباحاً حتى 6 مساءً

📍 العنوان: 40 High St, Oxford OX1 4AP, United Kingdom

مقهى «غروبي» أو Groppi – القاهرة 🇪🇬

أقدم المقاهي في العالم

يُعد مقهى غروبي في القاهرة من أكثر المقاهي الأصيلة والبارزة في مصر، حيث تعود جذوره إلى بدايات القرن العشرين. أسسته عائلة سويسرية تُدعى “غروبي”، وسرعان ما أصبح ملتقى للطبقة المتوسطة والمترفة في المدينة، إضافة إلى الشعراء والأكاديميين والسياسيين. خلال الحرب العالمية الثانية، شاع أن ضباطاً ألمان وحتى جنوداً بريطانيين كانوا يرتادونه أحياناً؛ وهي رواية أصبحت جزءاً من أساطير القاهرة الشعبية. ورغم تعرضه للدمار في أحداث “السبت الأسود” عام 1952، عاد للحياة ليستمر كجزء من النسيج الثقافي للمدينة.

الداخلية المميزة للمقهى، بسقوفه العالية وثرياته القديمة وأرضياته الحجرية، إلى جانب واجهاته الزجاجية المليئة بالحلويات والشوكولاتة، تمنحه طابعاً أوروبياً كلاسيكياً مع جذور عميقة في حياة القاهرة الصاخبة. حتى اليوم، يظل غروبي رمزاً للذاكرة الجمعية للمصريين؛ مكاناً حيث لم تكن القهوة والحلويات سوى ذريعة لحوارات أعمق عن السياسة والفن والحياة.

أسسه جياكومو غروبي (Giacomo Groppi)، الحلواني السويسري، الذي بدأ أولاً في الإسكندرية عام 1890 بعدة محلات للحلويات، ثم انتقل إلى القاهرة في مطلع القرن العشرين. افتُتحت فروع المقهى بين عامي 1909 و1925، من بينها فرع في شارع عبد الخالق ثروت وآخر عند تقاطع طلعت حرب، بينما اشتهر فرعه الأبرز في ميدان طلعت حرب بوسط المدينة. هناك أصبح المقهى نقطة التقاء للنخبة، حيث امتزجت الحلويات الأوروبية والشوكولاتة الفاخرة مع النقاشات الثقافية والفكرية والفنية.

الهاتف الموقع إنستغرام
20225743244+ groppi-eg.com groppiegyptofficial@

📍 العنوان: 21 Mahmoud Basiony St. Downtown, Cairo 11511 Egypt

مقهى أنتيكو غريكو – روما 🇮🇹

أقدم المقاهي في العالم

في قلب العاصمة الإيطالية روما، يقع مقهى أسطوري وتاريخي يُدعى أنتيكو غريكو. أُسس عام 1760 على يد امرأة يونانية، وبمرور الزمن تحوّل إلى ملتقى للفنانين والكتّاب والشعراء والمفكرين البارزين مثل غوته، كيتس، شيلر، بل وحتى نيتشه.

عند دخولك إلى المقهى، يغمرك فضاء يفيض بالتاريخ والثقافة؛ جدران مزدانة بلوحات وبورتريهات كبار الأدباء والفنانين، أثاث خشبي قديم مصقول، وأضواء دافئة تبعث جواً نوستالجياً ساحراً. هنا، لا تشرب مجرد فنجان قهوة، بل تخوض تجربة معايشة جزء من التاريخ الحي لأوروبا.

القهوة التي تُقدم في “غريكو” مشهورة بكونها “مثالية بلا عيب”؛ مذاقها العريق يعكس قروناً من الخبرة والشغف بالقهوة. هذا المكان لا يُعتبر فقط واحداً من أقدم المقاهي في العالم، بل ما يزال محتفظاً بروح الإلهام التي تميز روما. ومؤخراً، أُغلق المقهى مؤقتاً لكنه يستعد لاستئناف نشاطه قريباً.

  • 📞 الهاتف: +3613755284
  • 🌐 الموقع: anticocaffegreco.eu
  • 📍 العنوان: Via dei Condotti, 86, 00187 Roma RM, Italy

روشوورم، بودابست – Ruszwurm Confectionery 🇭🇺

أقدم المقاهي في العالم

في قلب حي قديم من بودابست، وبجوار كنيسة ماتياس مباشرة، يقع مقهى وحلويات أسطوري يُدعى روشوورم، الذي يستقبل الزوار منذ عام 1827 وحتى اليوم بعالمٍ من النكهات الأصيلة والتقليدية للمجر. إنه ليس فقط أقدم محل حلويات في المدينة، بل كنز حي من تاريخ وثقافة المطبخ المجري؛ حيث ما زالت جدرانه وأثاثه وخزائن العرض المليئة بالحلوى الملوّنة تحافظ على أجواء القرن التاسع عشر.

أجواء “روشوورم” المميزة، بأثاثه الخشبي اللامع وخزائنه الزجاجية المليئة بالكعك والحلويات، تمنحك إحساساً بأنك في رحلة قصيرة إلى الماضي. هنا لا وجود للزخارف العصرية البراقة، بل دفء التقاليد وروح العائلة التي تأسر كل من يزوره.

التحفة الأشهر في روشوورم هي الكريمشنيته المجرية (Krémes)؛ حلوى شهيرة مكونة من طبقات مورّقة وهشّة يتوسطها كريم خفيف وناعم كخيوط الحرير. طعمها البسيط لكنه لا يُنسى، كان معشوقاً حتى لدى العائلة الملكية الهابسبورغية. وإلى جانبها، تُعرض أنواع أخرى من الكيك والحلويات التقليدية التي تُبهر كل سائح. حالياً، أغلق المقهى مؤقتاً بسبب وفاة مؤسسه Szamos Miklós.

  • 📞 الهاتف: +39066791700
  • 🌐 الموقع: ruszwurm.hu
  • 📍 العنوان: Budapest, Szentháromság u. 7, 1014 Hungary

لماذا زيارة المقاهي التاريخية ممتعة؟

  • تجربة أجواء أصيلة ومختلفة.
  • الاستمتاع بالعمارة والديكور الكلاسيكي.
  • التعرف على التاريخ والقصص المخفية.
  • ملامسة الأجواء الفنية والأدبية للماضي.
  • زيارة هذه الأماكن بالنسبة للسياح أشبه برحلة إلى الماضي. فكل فنجان قهوة هنا يحمل معنى يتجاوز مجرد مشروب، ليتحول إلى تجربة ثقافية فريدة.

الخلاصة والنقاط النهائية

المقاهي جزء لا يتجزأ من التاريخ الثقافي والاجتماعي للبشرية. فمن الشرق الأوسط إلى أوروبا، لعبت هذه الأماكن دوراً محورياً في تشكيل الفكر والفن. واليوم تُعتبر أقدم المقاهي في العالم ليس فقط وجهات سياحية، بل أيضاً جزءاً من الهوية التاريخية للأمم. لذلك، إذا كنت تخطط للسفر إلى أوروبا أو الشرق الأوسط، لا تفوّت فرصة زيارة أحد هذه المقاهي التاريخية.

الأسئلة الشائعة

ما هو أقدم مقهى في أوروبا؟

كافيه فلوريان في مدينة البندقية بإيطاليا (سنة 1720) هو أقدم مقهى ما زال يعمل في أوروبا.

أين افتُتح أول مقهى في العالم؟

تعود أصول المقاهي إلى القرن الخامس عشر في مكة والقاهرة، لكن أول مقهى رسمي في أوروبا افتُتح في البندقية.

أي الدول تضم أكبر عدد من المقاهي التاريخية؟

إيطاليا، فرنسا، النمسا، وتركيا من أبرز الدول التي تحتضن مقاهي تاريخية تعود إلى مئات السنين.

related posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *