التوأمة بين المدن: علاقة تتخطى الحدود

اصطلاح «التوأمة بين المدن» انتشر لأول مرة في أوروبا، حيث تم توقيع اتفاقية بين إحدى المدن البريطانية وإحدى المدن الفرنسية عام 1920، بعد الحرب العالمية الأولى، بهدف تعزيز الروابط الثقافية بين سكان هاتين المدينتين.
يمكن لاتفاقيات التوأمة أن تشمل موضوعات متنوعة من التبادلات الثقافية والاقتصادية إلى التعاون في المجالات التعليمية والرياضية والبيئية.

عادةً، يتطلب التوأمة بين مدينتين وجود تشابهات بينهما؛ مثل أن تكونا مدينتين تاريخيتين، أو أن تكونا مدينتين جامعيتين، أو ميناءين، أو أن تتمتعا برموز مشتركة. ويُعتبر التاريخ المشترك، والثقافة أو التقاليد المماثلة، من المعايير التي تساهم في إعلان التوأمة، مما يسهم في تعزيز التبادلات الثقافية، الفنية والتعليمية بين المدينتين.

بعض المدن تسعى إلى تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع مدن أخرى وتحدد هذه العلاقات ضمن إطار التوأمة، بينما تهتم مدن أخرى بالتعاون في مجال القضايا البيئية والتنمية المستدامة، وقد تُعرف كمدن توأم على هذا الأساس.

يؤدي إعلان التوأمة إلى ازدهار السياحة بين المدينتين، ومن نتائجه أيضاً تسمية الشوارع بأسماء المدن التوأم. تابعوا معنا في “مدونة سبهران” للتعرف على المدن الإيرانية وتوأمها.

 

طهران وسيول؛ من المتاحف الملكية إلى برج سيول

توأمت طهران وسيول، عاصمة كوريا الجنوبية، منذ عام 1962. وبالرغم من أن لطهران توأمات أخرى، إلا أن سيول هي الأقدم بينها. تعد طهران العاصمة وأكبر مدن إيران، وتتمتع بأهمية سياسية واقتصادية، كما تُعرف بجمالها نظرًا لوجود العديد من المتاحف الملكية، والمتنزهات التاريخية، والمحميات الطبيعية، وبرج ميلاد، والأسواق التقليدية ومراكز التسوق الحديثة.

أما سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، فهي من أكثر مدن العالم كثافة سكانية وحيوية، حيث تجمع بين التراث والحداثة. وتتمتع سيول بتاريخ طويل ومعالم جذب عديدة، منها القصور التاريخية، برج سيول، المعابد التاريخية، الأسواق التقليدية، الأنهار، الغابات، والمتاحف، مما يجعلها واحدة من أجمل العواصم العالمية.

توفر توأمة طهران وسيول فرصًا جديدة للتبادلات الثقافية بين المدينتين، مثل إقامة المعارض والمهرجانات الثقافية، بالإضافة إلى البرامج التعليمية المشتركة. وتُعتبر سيول مدينة رائدة في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية، مما يمنحها خبرات قيمة تقدمها لطهران. لذلك، فإن تبادل المعرفة والخبرات في مجال إدارة المدن، والنقل العام، وتطوير البنية التحتية، والتقنيات الحديثة، والبيئة، والبرامج الاجتماعية، يُعد من الجوانب المهمة لتوأمة المدينتين.

يسهم هذا الارتباط في تعزيز العلاقات بين الدولتين، كما يساهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين وزيادة التبادلات الثقافية والاقتصادية بينهما.

 

أصفهان و سانت بطرسبرغ؛ من نصف جهان إلى عاصمة القياصرة

كانت أصفهان يومًا ما مركز التجارة والدبلوماسية الدولية لإيران، وهي اليوم واحدة من أهم الوجهات السياحية في البلاد. عندما تولى الشاه عباس الكبير عرش الدولة الصفوية عام 1587 م (965 هـ)، اختار أصفهان كعاصمة له وبدأ في بناء العديد من القصور، المساجد، الحدائق والجسور في هذه المدينة. بفضل معالمها المعمارية الرائعة، أسواقها، متاحفها، حدائقها الإيرانية، شوارعها التي تزينها الأشجار، وجسورها التاريخية، تعتبر أصفهان من أجمل مدن العالم.

سانت بطرسبرغ، ثاني أكبر مدن روسيا بعد موسكو، تُعد من أجمل المدن العالمية وأغناها ثقافيًا. تأسست المدينة عام 1703 م على يد بطرس الأكبر، وكانت عاصمة روسيا لأكثر من 200 عام. تتميز بشهرتها بفضل العمارة الرائعة، الجسور التاريخية، والقنوات المائية التي تُعد من معالمها الشهيرة.

من الناحية الثقافية، تعتبر سانت بطرسبرغ موطنًا لبعض أشهر المتاحف والمسارح والمعالم التاريخية في العالم، وتلعب دورًا مهمًا في الأدب، الموسيقى والفنون الروسية. إلى جانب ذلك، تُعد مركزًا مهمًا للصناعة، العلوم والتعليم، ولها دور حيوي في الاقتصاد الروسي الحديث، فضلًا عن تراثها التاريخي العريق.

نظرًا لكون أصفهان وسانت بطرسبرغ كلتاهما كانتا عاصمتين تاريخيتين، ولتشاركهما العديد من الروابط الثقافية والتعليمية، فقد تم توقيع اتفاقية التوأمة بينهما عام 1999 م (1378 هـ)، ليصبحا مدينتين شقيقتين تسعيان لتعزيز السياحة المستدامة كهدف مشترك بين إيران وروسيا.

 

شيراز وفلورنسا؛ كنزٌ مزدوج في رابط توأمة

تعتبر شيراز من أجمل المدن الإيرانية؛ فهي المكان الذي احتضن عظماء الشعر والأدب الفارسيين، وتعد كنزًا ثمينًا للأدب والفن الفارسي. تشتهر هذه المدينة بكونها مهد الشعر والأدب في إيران، وهي موطن لآثار تاريخية قيّمة تعكس عظمة الحضارة الإيرانية القديمة. تُظهر حدائق شيراز الجميلة، أبنيتها التراثية، وأزقتها التاريخية الثقافة الإيرانية الأصيلة لزوارها.

في المقابل، تُعد فلورنسا، عاصمة منطقة توسكانا الإيطالية، واحدة من أجمل المدن التاريخية في العالم، حيث تجذب الملايين من السياح سنويًا بفضل ثقافتها وعمارتها المميزة.

تحظى كل من شيراز وفلورنسا بشهرة عالمية بسبب تاريخهما العريق وثقافتهما العميقة. شيراز هي مهد كبار الأدباء الفارسيين، في حين تُعد فلورنسا مهد النهضة. من الناحية الثقافية، كلتا المدينتين غنيتان، ومعمارهما التاريخي لافت للنظر. تمتاز شيراز بوجود شعراء عظماء كـ “حافظ وسعدي”، بينما تتميز فلورنسا بفنانين مثل دانتي، مايكل أنجلو ودافنشي، الذين تركوا بصمات عميقة في الأدب والفن العالمي. تُعد المدينتان من الوجهات السياحية الرئيسية، وتقدمان لزوارهما تجارب فريدة بفضل تاريخهما وثقافتهما الغنية.

أُبرم اتفاق التوأمة بين شيراز وفلورنسا عام 1986 م (1365 هـ) بهدف تعزيز الروابط الثقافية والفنية وتبادل الخبرات في مجالات مختلفة بين المدينتين.

 

كاشان وكازانلاك؛ توأمان بتراث الورد الجوري

تُعرف كاشان، التي اشتهرت بتاريخها العريق وتراثها الثقافي، بأنها من أقدم المدن في إيران، وتشتهر بهندستها المعمارية التقليدية، حدائقها التاريخية، وإنتاج السجاد اليدوي. تعد هذه المدينة مهد زراعة الورد الجوري، والذي يعتبر من العناصر الأساسية في صناعة العديد من العطور والمنتجات التجميلية التقليدية في إيران. كما تُعد صناعة استخراج ماء الورد واحدة من أهم الصناعات التقليدية في كاشان، وتجذب العديد من السياح لحضور فعاليات استخراج ماء الورد. ارتبط اسم كاشان، داخل إيران وخارجها، بالسجاد اليدوي والورد الجوري.

أما مدينة كازانلاك الجميلة، الواقعة في وادي الورود في بلغاريا، فهي مشهورة عالميًا بزراعة الورود، وتعتبر من أكبر منتجي زيت الورد، وهو عنصر أساسي في صناعة العطور. تبرز المدينة بمقابرها التراقية القديمة، التي تثبت تاريخها الغني وأهميتها الثقافية، وقد تم إدراج هذه المقابر ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. كما تقدم متاحف متنوعة، من بينها متحف الورد، الذي يُعرّف السياح بتاريخ إنتاج زيت الورد وثقافة كازانلاك المحلية.

في سبتمبر 2024 (شهريور 1403 هـ)، وقّعت كاشان وكازانلاك اتفاقية توأمة لتعزيز علاقاتهما الثقافية والاقتصادية، وإطلاق مجموعة واسعة من التبادلات الثقافية، والتعاونات العلمية، والاستثمارات التجارية، والمشاريع التنموية الحضرية، والمبادرات السياحية.

 

يزد وخيوة؛ بعيدان عن بعضهما، متشابهان إلى حد بعيد

في أرجاء آسيا الواسعة، وضمن مدنها التاريخية العريقة، تبرز يزد في إيران وخيوة في أوزبكستان، لما بينهما من تشابهات مدهشة وتراث ثقافي غني. ورغم أن الجبال والصحاري تفصل بين المدينتين، إلا أن كلتيهما تمثلان مشاهد خلابة من الماضي، وتسحران بخيال زوارهما من خلال هندستهما المعمارية الفريدة، والتي تروي قصصًا عن الصمود، الإيمان والفن.

سواء في أبراج الرياح المبتكرة في يزد أو مآذن خيوة الساحرة، يتجسد الاتصال العميق مع الماضي، بحيث يوصف زوار المدينتين بأنهما أشبه برحلة عبر الزمن؛ إذ يتردد صدى التاريخ في كل زقاق وشارع.

يُظهر الجامع الكبير في يزد بمنائره الشاهقة وزخارفه الخزفية المتقنة، إلى جانب معبد النار الزرادشتي بشعلته المتقدة منذ ألف عام، تنوعًا دينيًا استثنائيًا في المدينة. بينما توفر مسجد الجمعة في خيوة، الذي يحتوي على 212 عمودًا خشبيًا، تجربة معمارية فريدة، وتعكس مدارس علا قلي خان ومحمد أمين خان الدور التعليمي المهم للمدينة. كما تشترك المدينتان بوجود الخانات، المآذن، والمنازل التقليدية. وتعتبر المهرجانات الثقافية النابضة بالحياة، مثل مهرجان النوروز في يزد ومهرجان رقص خوارزم في خيوة، من أوجه التشابه الأخرى بينهما.

في فبراير 2021 (بهمن 1399 هـ)، أصبحت هاتان المدينتان التاريخيتان رسميًا مدينتين توأم، لتعزيز الروابط الثقافية والتاريخية بينهما، وللمساعدة في حماية إرثهما الثمين للأجيال القادمة عبر تشجيع السياحة المستدامة.

 

مشهد وكربلاء؛ أخوة من حرم إلى حرم

تعدّ مشهد واحدة من أهم الوجهات السياحية في إيران وواحدة من أكبر الوجهات الدينية عالميًا، إذ تستقطب سنويًا ملايين الزوار بفضل وجود مرقد الإمام الرضا (عليه السلام). بينما تعتبر كربلاء، بوجود مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، إحدى أبرز المدن الدينية في العراق، ووجهة مقدسة للشيعة حول العالم.

تربط بين المدينتين مشتركاتهما الثقافية وعمق علاقاتهما الدينية، مما يجعلهما مراكزًا دينية وثقافية بارزة في العالم الشيعي. خلال المناسبات الدينية كالمحرم والأربعين الحسيني، تستقبل مشهد وكربلاء ملايين الزوار الذين يقصدونهما للتعبير عن حبهم ووفائهم لأهل البيت (عليهم السلام)، مما يخلق أجواء روحانية فريدة. تتميز المدينتان أيضًا بإرثهما الثقافي العريق وفعالياتهما الدينية، مما يعزز تلاحم الشيعة وارتباطهم.

في مايو 2023 (أردیبهشت 1402 هـ)، أصبحت مشهد وكربلاء رسميًا مدينتين توأم. تهدف هذه التوأمة إلى تعزيز الروابط الثقافية والدينية والاجتماعية، وتشجيع السياحة الدينية، ما يتيح فرصًا جديدة للتبادل الثقافي وتطوير السياحة بين هاتين المدينتين المقدستين.

 

ختامًا

في هذا العدد، استعرضنا بعض مدن إيران ومدنها التوأم، وركزنا على الروابط الثقافية التي تجمع بينها وبين أوجه التشابه. تخيلوا أن هذه التوأمة قد تكون سببًا لاختيار وجهتكم المقبلة! لشراء تذاكر الطيران وحجز الخدمات الجوية عبر الإنترنت، يمكنكم زيارة موقع flysepehran.com، ولا تترددوا في مشاركة تجاربكم في هذه الوجهات أو ما تعرفونه عن توأمة مدن إيران.